وحدك - محمود درويش

4:46 م
قصيدة وحدك
الكاتب - محمود درويش


" كم أنت منسياً و حراً في خيالك ! "
كثيرا ما سمعنا أو قرأنا هذه الجملة ، صادفناها في العديد من الكتب ، الأقتباسات ، أو الصفحات و المدونات ، و لكن هل سبق لأحد أن نظر بداخلها ؟!
هل تسائل أحد يوما ما كم أنه منسيا و حراً في خياله ؟ هذا الفضاء الخاص الخصب الخاص به ؟
دون أن يري أحد أثر المواجع فيه ، أثر الندوب و الذنوب داخل روحه ، آثر الفراشة كما وصفه " محمود درويش " .
هل أبتسمت يوما ما كونك حرا و منسي في هذا الخيال ؟ أن لا يحملق أحد في ثيابك أن كنت تبكي أو سعيد ؟ أن كنت تصرخ بالدموع أو حتي تشدو بالحياة ؟
هل شعرت بالراحة يوما أن لا أحد يري مدي أنكسارك و أحتضارك يوم ما تُركت في الركن منسيا ، فلا أحد يعكر صفو روحك و لا أحد يفكر في هدم إعمار خيالك ؟

هي واحدة من أعظم ما كتب " محمود درويش " و هذا هو النص الكامل لها





وحدك محمود درويش

مقهى، وأنت مع الجريدة جالس
لا، لست وحدك. نصف كأسك فارغ
والشمس تملأ نصفها الثاني ...

ومن خلف الزجاج تري المشاة المسرعين
ولا تُرى ، إحدي صفات الغيب تلك:
ترى ولكن لا تُرى]
كم أنت حر أيها المنسي في المقهى!
فلا أحدٌ يرى أثر الفراشة فيك،
لا أحدٌ يحملقُ في حضورك أو غيابك،
أو يدقق في ضبابك إن نظرت
إلى فتاة وانكسرت أمامها..
كم أنت حر في إدارة شأنك الشخصي
في هذا الزحام بلا رقيب منك أو
من قارئ!
فاصنع بنفسك ما تشاء، إخلع
قميصك أو حذاءك إن أردت، فأنت
منسي وحر في خيالك، ليس لاسمك
أو لوجهك ههنا عمل ضروريٌ. تكون
كما تكون ... فلا صديق ولا عدو
يراقب هنا ذكرياتك /
فالتمس عذرا لمن تركتك في المقهى
لأنك لم تلاحظ قَصَّة الشَّعر الجديدة
والفراشات التي رقصت علي غمازتيها /
والتمس عذراً لمن طلب اغتيالك،
ذات يوم، لا لشيء... بل لأنك لم
تمت يوم ارتطمت بنجمة.. وكتبت
أولى الأغنيات بحبرها...
مقهى، وأنت مع الجريدة جالسٌ
في الركن منسيّا، فلا أحد يهين
مزاجك الصافي،
ولا أحدٌ يفكر باغتيالك
كم انت منسيٌّ وحُرٌّ في خيالك!
 ------

جميع الحقوق الملكية الفكرية محفوطة للكاتب / محمود درويش 
و لموقع SoundCloud بحساب الناشر HussEn El Yadak


0 التعليقات